التبويبات الأساسية

البؤس والفقر يؤلفان حالة الضرورة - حكم مينارد الصادر بتاريخ 4 مارس 1898 عن المحكمة الفرنسية

البؤس والفقر يؤلفان حالة الضرورة - حكم مينارد الصادر بتاريخ 4 مارس 1898 عن المحكمة الفرنسية

حالة الضرورة
حكم مينارد الصادر بتاريخ 4 مارس 1898 عن المحكمة الجناحية الفرنسية
في فرنسا، لم تكن حالة الضرورة مكرّسة كسبب قانوني من أسباب تبرير الجريمة في المجلة الجزائية لسنة 1810، ومع ذلك أخذت إحدى محاكمها بصورة غير مباشرة بنظرية حالة الضرورة منذ نهاية القرن التاسع عشر في غياب نص قانوني يكرّسها ويؤطّرها، واستناداً لتعليل إنشائي غير مألوف بالمحاكم، مثلما يتبيّن ذلك من الحكم الشهير المعروف بحكم مينارد، الصادر بتاريخ 4 مارس 1898 عن المحكمة الجناحية بشاطو تياري الذي تولّينا تعريبه فيما يلي:
حيث إن الفتاة "م" المتّهمة بالسرقة، اعترفت أنها أخذت رغيفاً من الخبز من دكّان "فلان" وعبّرت عن صادق أسفها لأن سمحت لنفسها بالوصول إلى حد ارتكاب هذا الفعل.
وحيث إن الفتاة "م" تعيل طفلاً عمره عامان اثنان، وتقوم بتحمّل أعبائه بمفردها ودون مساعدة من أحد، وأنها ظلت عاطلة عن العمل منذ مدّة معتبرة، رغم كلّ مساعيها للعثور على شغل، وأنها تحظى بسمعة طيبة في المنطقة البلدية (التي تقطن بها) حيث تُعتبر أُمّا طيّبة وكادحة، وهي حالياً لا تملك من الرزق سوى رغيف يزن 3 كيلوغرام و4 أرطال من اللحم التي تتسلّمها أسبوعياً من مكتب العمل الخيريّ، لها ولوالدتها ولإبنها.
وحيث إنه في التاريخ الذي أخذت فيه الرغيف من مخبزة فلان، لم تكن المتّهمة تتوفّر على أي مال وكانت المواد الغذائيّة التي تسلّمتها نفدت بالكامل منذ 36 ساعة، وأنّها طيلة تلك الفترة الزمنية لم تتناول، لا هي ولا والدتها، أيّ غذاء، تاركةً لطفلها القطرات القليلة من الحليب الموجودة بالبيت.
وحيث إنّه من المؤسف أن يوجد في مجتمع منظّم عضو من ذلك المجتمع محتاج لرغيف خبز بسبب آخر غير خطئها الشخصي، وإنه حين تمثل تلك الوضعية، والتي هي بالنسبة للفتاة "م" ثابتة بوضوح، يكون في وسع القاضي أو من واجبه ان يؤوّل أحكام القانون الصلبة بإنسانية.
وحيث إن حالة البؤس والفقر من شأنها أن تجرّد كلّ كائن بشري من جزء من حرّية اختياره، وأن تتسبب في تضاؤل مفهومي الشرّ والخير لديه، وإن التصرّف الخاضع، في الأوقات العادية، للعقاب، يفقد الكثير من صبغته الإحتيالية عندما يتصرّف من صدر عنه بدافع من الحاجة الملحّة للغذاء التي هي من الحاجيات الضرورية الأولى التي بدون سدّها تأبى الطبيعة تأمين عمل التركيبة الجسدية للإنسان.
وحيث إن القصد الإجرامي يتفاقم تضاؤله عندما يكون في مواجهة عذاب الجوع الضاري، مثلما هو الشأن في قضية الحال، الرغبة الطبيعية لدى الأم في تجنيب ابنها الذي في كفالتها تجرّع ذلك العذاب، بما يجعل كل خصائص الاستيلاء الإجرامي، المفترض ارتكابه بإرادة وحرية، غير متوفرة في التصرف الذي أتته الفتاة "م" والتي عرضت على الخباز تعويض خسارته من مدخول أوّل شغل تتمكّن من الحصول عليه، بما يدعو بالتالي إلى الحكم بترك سبيل المتهمة.
تعريب الاستاذ محمد بن محمد اللجمي
البحبرة في 30 مارس 2019

النص الفرنسي الاصلي:
Tribunal correctionnel de Chateau-Thierry 4 mars 1898.
Le tribunal - Attendu que la fille "M"..., prévenue de vol reconnaît avoir pris un pain dans la boutique du boulanger P...; qu'elle exprime très sincèrement ses regrets de s'être laissée aller à commettre cet acte ;
Attendu que la prévenue a à sa charge un enfant de deux ans, pour lequel personne ne lui vient en aide, et que, depuis un certain temps, elle est sans travail, malgré ses recherches pour s'en procurer ; qu'elle est bien notée dans sa commune et passe pour laborieuse et bonne mère; qu'en ce moment, elle n'a d'autres ressources que le pain de trois kilos et quatre livres de viande que lui délivre, chaque semaine, le bureau de bienfaisance de C... pour elle, sa mère et son enfant ;
Attendu qu'au moment où la prévenue a pris un pain chez le boulanger P..., elle n'avait pas d'argent, et que les denrées qu'elle avait reçues étaient épuisées depuis trente-six-heures; que ni elle ni sa mère n'avaient mangé pendant ce laps de temps, laissant pour l'enfant les quelques gouttes de lait qui étaient dans la maison ; qu'il est regrettable que, dans une société bien organisée, un membre de cette société, surtout une mère de famille, puisse manquer de pain autrement que par sa faute ; que lorsqu'une pareille situation se présente et qu'elle est, comme pour la fille M..., très nettement établie, le juge peut et doit interpréter humainement les inflexibles prescriptions de la loi ;
Attendu que la misère et la faim sont susceptibles d'enlever à tout être humain une partie de son libre arbitre et d'amoindrir en lui, dans une certaine mesure, la notion du bien et du mal ; qu'un acte ordinairement répréhensible perd beaucoup de son caractère frauduleux, lorsque celui qui le commet n'agit que par l'impérieux besoin de se procurer un aliment de première nécessité sans lequel la nature refuse de mettre en oeuvre notre constitution physique ; que l'intention frauduleuse est encore atténuée, lorsqu'aux tortures aigües de la faim vient se joindre, comme en l'espèce, le désir, si naturel chez une mère, de les éviter au jeune enfant dont elle a la charge ; qu'il en résulte que tous les caractères de l'appréhension frauduleuse librement et volontairement perpétrée ne se retrouvent pas dans le fait accompli par la fille M... qui s'offre à désinteresser le boulanger P... sur le premier travail qu'elle pourra se procurer; qu'en conséquence, il y a lieu de la renvoyer des fins des poursuites.

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment