التبويبات الأساسية

وجدي الملاط

  • وجدي الملاط-0
  • وجدي الملاط-1

تابع دروسه الثانويّة في مدرسة الآباء اليسوعيّين في بيروت، ونال فيها جائزة الشرف باللغة العربيّة عام 1936.

حاز على الفصاحة باللغة الفرنسيّة عام 1937 في مباراة خطابيّة جرت بين جميع طلاب صفّيّ الخطابة والبيان، وبينهم عدد كبير من الطلّاب الفرنسيّين.

أعدَّ للحصول على شهادة الليسانس باللغة اللّاتينيّة بواسطة أستاذ موفد من جامعة ليون الفرنسيّة، غير أنّ تعذر حضور لجنة فاحصة من فرنسا إلى بيروت أثناء الحرب العالميّة الثانية حال دون تقديم الامتحان.

وجدي الملاط المحامي:

1_ نال شهادة الحقوق من كليّة الحقوق الفرنسيّة التابعة لجامعة القديس يوسف عام 1941، وتسجّل محاميًا لدى نقابة المحامين في بيروت.

2_ بدأ حياته في المحاماة متمرّنًا سنة كاملة في مكتب المحامي الكبير يوسف السودا، ثمّ انتقل إلى مكتب النقيب السابق الشيخ ادمون كسبار من عام 1943 إلى عام 1948، وكان من زملائه في التمرّن المحاميان أوغست باخوس وميشال معوّض.

3_ فتح مكتبًا مستقلًّا له عام 1949، إثر رجوعه من باريس بعد تمثيله لبنان لدى الأمانة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة «الأونيسكو» ومساعدته في الإعداد لانعقاد الجمعيّة العموميّة لهذه المنظّمة العالميّة في بيروت عام 1948.

4_ تعاقب في مكتبه المحامون المعاونون والمتمرّنون فكان بينهم المرحوم الأستاذ أنطوان نصر الله، والأساتذة فؤاد عموري، وشفيق الراعي وفؤاد عطالله وحسام الحلو وأنطوان الياس الحلو وتريز عون وسمير ضومط، ومنذ تولّيه رئاسة المكتب الدستوريّ وبعد تركه المجلس، أصبح المكتب في عهدة ابنه الدكتور شبلي، الذي يتولّى أيضًا التدريس في معهد الحقوق التابع لكليّة القدّيس يوسف وفي كليّات الحقوق في الولايات المتحدة وأوروبا.

5_ اشتمل عمله في المحاماة على قبول التوكيل في دعاوى مهمة، كان موضوع عدد منها الدفاع في خلافات إرثيّة كبرى أو في قضايا ذات شأن متّصلة بأوقاف أبرشيّة بيروت المارونيّة، الذي كان وكيلًا لها في آخر عهد المطران أغناطيوس مبارك، وطوال عهد المطران أغناطيوس زيادة.

6_ كان في عداد هذه النزاعات المهمّة التي كان لها قيمة ماديّة كبيرة وشأن قانونيّ متنوع، دعاوى تركة المرحوم ماريوس جد، وتركة المرحومة زاهية فريفر، وتركة المرحوم الدكتور نجيب فيّاض، وتركة المرحوم حبيب سحاب، وتركة المرحومة إيزابيل تيّان.

7_ تبلغ اللوائح والدراسات المقدّمة في هذه الدعاوى الآلاف من الصفحات، وهي مبوّبة تبويبًا تفصيليًّا على نحو جديد وارد للمرّة الأولى في تاريخ تنظيم اللوائح منذ انصرام الأسلوب المخطوط لوكلاء الدعاوى المعمول به أيّام العثمانيّين.

8_ استحدث أسبابًا مبتكرة لإنشاء حقوق عقاريّة سجّلها لمصلحة الأوقاف التابعة لمطرانيّة بيروت المارونيّة في الشيّاح وحارة حريك، بشخص مطران بيروت للطائفة المارونيّة وتمثّلت بنصف قيمة العقارات المهمّة والواسعة العائدة إلى هذه الأوقاف وعدّت هذه الحقوق أموالًا ثابتة بدلًا من حقوق موسومة قبلًا بطابع الأموال المنقولة.

9_ تأهّل في 27/12/1956 بالآنسة نهاد جوزف دياب ورزقا أربعة أولاد هم: منال وشبلي وجنان وريا.

10_ أقدم على انتقاد قانونيّ ودستوريّ للحكومة اللبنانيّة عندما تجاوزت في اشتراعها مدى السلطة المعطاة لها من مجلس النواب في سنّ المراسيم الاشتراعيّة عام 1983، وكتب تعليقات متعدّدة في الموضوع، وفي عدادها دراسة مستفيضة حملت مجلس النواب في عام 1985 على إلغاء أو تعديل نحو خمسين مرسومًا اشتراعيًّا من أصل مجموع المراسيم المنشورة في عام 1983، ونشرت هذه الدراسات جميعها في حينه.

وجدي الملاط الوزير:

1_ دعي إلى الاشتراك في وزارة اكسترا برلمانيّة عام 1965، فعهد إليه وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة، فأضاف إلى أبواب الضمان الاجتماعيّ باب التعويضات العائليّة، كما أنّه أعدّ مشروع قانون وافق مجلس النواب على نصّه، أتاح للمرّة الأولى الاستملاك (كان حتّى ذلك الحين مقصورًا فقط على أسباب متّصلة بشقّ الطرق والأشغال العامّة)، وهو ما كان يشار إليه بعبارة «الاستملاك لأجل منفعة عامّة»، فأدخل في مجال الاستملاك للمرّة الأولى مفهوم المنفعة الاجتماعيّة الجديد بموجب قانون صادر في 8/12/1965، وهو الذي أجاز استملاك العقارات اللازمة لتحقيق غايات القانون الاجتماعيّة، وبيعها بالتراضي عند الاقتضاء، كما أجاز بيع أملاك الدولة الخاصّة بالتراضي شرط أن تستعمل لبناء المساكن الاجتماعيّة الشعبيّة.

2_ أثناء تولّيه الوزارة وقف معارضًا الصيغة التي اعتمدها كلّ من مجلس النواب والحكومة في طريقة تطبيق قانون تطهير الإدارة والقضاء، وأصرّ على أن يكون لكلّ من يتناوله الإصلاح اطّلاع مسبق على المؤاخذات المنسوبة إليه، وأن يعطى الحقّ في الردّ وفي الدفاع عن نفسه، وأوقف مشاركته في الحكومة إلى أن وافق مجلس الوزراء على مبدأ احترام حقّ الدفاع.

3_ في أوائل صيف عام 1970، وبعد ثبوت عزوف فؤاد شهاب عن إعادة ترشيحه لرئاسة الجمهوريّة، اقترحه كمال جنبلاط في آخر اجتماع مشترك للأحزاب السياسيّة اللبنانيّة، مرشّحًا يجمع عليه لرئاسة الجمهوريّة.

وجدي الملاط نقيب المحامين:

1_ انتخب عام 1972 نقيبًا للمحامين فأدخل إلى نظام النقابة الداخليّ تعديلات عدّة، منها وجوب تأمين غرفة مستقلّة للمتدرّج إثباتًا للممارسة الفعليّة وحماية لمفهوم سرّ المهنة في العمل، كما يقتضيه قانون النقابة.

2_ أنشأ للمرّة الأولى في حياة النقابة مناظرة بين المتدرّجين في حضور رئيس مجلس النواب المحامي آنذاك ووزراء من المحامين، وذلك تعزيزًا للصلة بين أفراد عشيرة المحاماة الشاملة، وتمكينًا لإبراز أصحاب الكفاية بين المتدرّجين وتسهيلًا لمؤازرة العصاميّين منهم واستحداث صدارة لهم بين زملائهم.

3_ في عهده وللمرّة الأولى في تاريخ نقابة بيروت التزم أولياء المكاتب الذين يستعينون بمتدرّجين أن يؤدّوا للمتدرج بموجب قرار نقابيّ تعويضًا شهريًّا تحدّد على أساس اقتصاديّ مناسب، وقد جرى العمل بهذا القرار طوال وجود النقيب على رأس النقابة.

4_ في عام 1974، خلال اجتماع المحامين العرب في دورتهم الموسميّة في بغداد، اختير لتأسيس المنظّمة العربيّة لحقوق الإنسان فرئيسًا لها.

5_ أسّس فور رجوعه إلى بيروت المنظّمة العربيّة لحقوق الإنسان في لبنان بالتعاون مع الرئيس المغربيّ الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، الذي كان آنذاك أمينًا عامًّا مساعدًا وموجّهًا لاتّحاد المحامين العرب. إلّا أنّ الأحداث الفاجعة في لبنان التي حصلت بعد عام 1974 أدّت إلى تصدّع المنظّمة وإلى تفرّقها وتفرّعها إلى هيئات مستقلّة في العالم العربيّ.

6_ لم يكن لنقابة المحامين في قصر العدل في بيروت جناح كاف يتّسع لها ولمكاتبها بعدما احتفظت الدولة بما يقارب نصف الجناح وأبقت هذا النصف بكامل تصرّفها، فقام بسعي حثيث دفع الحكومة إلى تخلية الأمكنة المخصّصة لدوائر الإجراء وللتنفيذ، وتسليمها إلى نقابة المحامين، بحيث أصبحت النقابة صاحبة التصرّف وحدها بطابق لا يشاركها فيه أحد وحمل هذا الطابق الكامل منذ عام 1973 اسم «دار نقابة المحامين»، واستمرّ هذا الواقع إلى أن أقامت نقابة المحامين صرح مستقلّ بها.

7_ عندما قرّرت الأمانة العامّة لاتّحاد المحامين الدوليّ عقد اجتماع عام لها في إسرائيل عام 1973، وجّه نقيب محامي بيروت فورًا مذكرة قانونيّة مطوّلة إلى الأمين العام لهذا الاتّحاد أبدى فيه استغراب أهل الحقّ في العالم لصدور قرار من الاتّحاد يتنافى مع رسالة المحاماة المبنيّة في جوهرها على مقاومة السطو ونبذ القسر والتشريد في الخاص والعام.

8_ كان نقيب بيروت هو وحده بين رؤساء النقابات العربيّة الذي اتّخذ هذا الموقف المسند إلى شروحات هادئة مسهبة أعلن عندها الأمين العام لاتحاد المحامين من بروكسل تجاوبه مع الاحتجاج اللبنانيّ، الأمر الذي أدّى إلى إلغاء ذلك الاجتماع المقرّر انعقاده في إسرائيل. وانضمّ جميع نقباء العرب إلى خطوة نقيب بيروت، فتلقّى رسائل تأييد كان أشدّها تألّقًا كتاب نقيب اليمن يومذاك.

وجدي الملاط رئيس المجلس الدستوري:

1_ على إثر إنشاء المجلس الدستوري بموجب المادة (19) من الدستور اللبنانيّ، انتخبه البرلمان عضوًا في هذا المجلس في تاريخ 23/12/1993 بأكثريّة لافتة، ثمّ انتخبه أعضاء هذا المجلس أوّل رئيس له في تاريخ 30/7/1994.

2_ وللمرّة الأولى في تاريخ المؤسّسات العامة في لبنان، أقدم جميع أعضاء المجلس الدستوريّ، بناء على اقتراح الرئيس، على الإعلان عن ممتلكاتهم بموجب تصريح خطّيّ طوعيّ، أودع رئاسة ديوان المجلس.

3_ وكان قد حثّ منذ الثمانينات على تطبيق شرعة الشفافيّة في الحياة العامّة اللبنانيّة ودعا جميع القائمين بخدمة عامة إلى الكشف عن الذمّة في مقالات نشرها بالعربيّة والفرنسيّة في الثمانينات، وذلك قبل أكثر من خمسة عشر عامًا من صدور قانون الإثراء غير المشروع أواخر عام 1999.

4_ في أوائل شهر نيسان 1997 استقال من رئاسة المجلس الدستوريّ لأسباب لم يوضّحها، أثارت اهتمامًا قضائيًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا غير مسبوق، ولم يفصح عن الدافع إلى هذه الاستقالة، عدا في إشارة وجيزة في مقابلة تلفزيونيّة بعد مرور نحو سنتين عليها، فذكر في الحديث المقتضب شعوره بأنّ المجلس الدستوريّ أنشئ في لبنان قبل أوانه، وأنّ البلد لم يبلغ بعد في سريرته السياسيّة وفي تطورّه الديموقراطيّ ما يتيح له اقتبال قضاء دستوريّ مستقلّ.

 

وجدي الملاط الإنسان:

1_ بقي في جميع المناصب والمهمّات التي دعي إليها غير مبال بالجــّاه وبالتكريم، فقد تمنّع عندما كان وزيرًا ورئيسًا للمجلس الدستوريّ عن أن تحمل سيّارته أيّ رقم رسميّ، وكان قد اعتذر عن قبول الوسام الذي عرضه عليه الوزير حميد فرنجيّة، على أثر إنجاحه مؤتمر الأونيسكو المنعقد في بيروت عام 1948، وأبدى اعتذارًا مماثلًا في عهد الرئيس سليمان فرنجيّة عندما عرضت عليه أرفع الأوسمة في مناسبة الحفل المقام بناء على تدبيره تكريمًا لكبار المحامين في لبنان.

2_ كان صديقًا ومستشارًا قانونيًّا لكمال جنبلاط فكانت له الإسهامات الكبرى في إنشاء شركة سبلين للترابة ووضع نظامها والسهر على تغليب التطلّعات الاجتماعيّة فيها تلك التي كانت الهدف الأول لمنشئها الكبير، وهو الذي كان يتوخّى ارتقاءً اقتصاديًّا وعمرانيًّا وسكنيًّا في منطقة تمسّ الحاجة إلى تزويدها ما يساعد إنصاف الفئات المحرومة فيها واستنهاضها في مماشاة التطوّر العلميّ المتصاعد.

3_ عمل مستشارًا قانونيًّا أكثر من ثلاثين عامًا لمطرانيّة بيروت المارونيّة في ولاية المثلّث الرحمة أغناطيوس زياده، وأتاح للمطرانيّة انضباطًا مشهودًا في جميع شؤونها القانونيّة، وزاد في قدرتها الاقتصاديّة والرعائيّة عندما عمد المرحوم يوسف سحاب إلى تخصيص مطرانيّة بيروت بتركته المرموقة وبتركة المرحومة شقيقته السيّدة عفيفة، وكان أحد الأسباب المهمّة لهذا التخصيص علاقة تاريخيّة قامت بين شاعر الأرز شبلي الملّاط والمرحوم يوسف سحاب نشأت عندما استشهد شقيق يوسف سحاب في منطقة رأس النبع في بيروت في عقب فتنة طائفيّة محلّيّة في مطلع القرن العشرين وانبرى الملّاط إلى التنديد الصاخب بالعدوان الأثيم، وهو الفضل الذي لم ينسه المرحوم يوسف سحاب أبدًا وما برح يردّده حتّى وفاته.

وعلى جزء من الأرض العائدة إلى تركة المرحوم يوسف سحاب في شارع سامي الصلح في بيروت أقيمت في ما بعد كنيسة القلب الأقدس المارونيّة بهمّة المطران خليل أبي نادر.

4_ أشرف لدى مطرانيّة بيروت المارونيّة على إعداد نظام لما دعي «بيت الكاهن»، وهي المؤسّسة التي صار تشييدها في بلدة معاد (قضاء جبيل)، وأصبحت دارة فسيحة كبرى تامة الجهوز لاستقبال واستضافة الأحبار والكهنة عند بلوغهم السنّ القانونيّة، وتمّ بناء هذا الصرح على نفقة المطران زيادة وبمساهمة ماليّة استنهاضيّة مرموقة منه، وسندًا إلى مرسوم كنسيّ مباشر استنبطه، وذلك في سياق تطبيق مبتكر لقانون الأحوال الشخصيّة للطوائف الكاثوليكيّة، ارتكازًا إلى دراسة واقتراح صادرين عنه كوكيل المطرانيّة.

وجاء هذا الإنجاز ضمانًا لحرمة وكرامة الشطر الأخير من حياة الإكليركيّين (أحبارًا وكهنة) على اختلاف مراتبهم.

وجدي الملاط المؤلف:

1_ من آثاره المكتوبة «شبلي الملّاط: مدرسة التلاقي الوطنيّ»، وهو كتاب عن والده شاعر الأرز صدر عام 1999 عن مؤسسة الرعيدي للطباعة والنشر، يقع في سبعمائة صفحة، بالإضافة إلى آلاف الصفحات من الدراسات واللوائح والاستشارات والمقالات والخطب الأدبيّة والقانونيّة، وعدد من المحاضرات المعطاة في لبنان ومصر وسوريا والعراق، وقد جمع جزء منها باللغتين العربيّة والفرنسيّة في كتاب صدر عن دار النهار عام 2005 بعنوان «مواقف Positions».

2_ كما أشرف على نشر تراث داثر لعمّه تامر الملّاط بعنوان «مجموعة قصائد وأشعار» صدر في بيروت عام 2009، وقد أعدّ طبعة لديوان تامر مكتملًا تشتمل على الشروح والتعليقات الوافية لمفرداته ومعانيه العاصية. وتامر الملّاط هو الشاعر والقاضي القائل في التنديد بجور المتصرف واصا باشا وفساده: رنّوا الفلوس على بلاط ضريحه/ وأنا الكفيل لكمَ بردّ حياته.

وفاة وجدي الملّاط:

توفّي وجدي الملاط يوم الأحد في 18 نيسان عام 2010 عن (91) عامًا. وأقيمت الصلاة على راحة نفسه في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في وسط بيروت، قبل أن يوارى الثرى في مدفن العائلة في بلدته في بعبدا.

رثاه وزير العدل إبراهيم نجار بكلمة مؤثّرة جاء فيها:  

كلمات كثيرة تحضرني في آن معًا.

كان رجلًا، وجدي ملاط.

رجل كريم الأخلاق واليد، وفيّ في صداقاته.

تمرّد كثيرًا في حياته، العامة وربمّا الخاصة أيضًا، لأنّه كان يأبى أن ينحني إلّا لضميره وقناعاته.

كان شاعرًا، لم ينسَ يومًا والده شبلي ملّاط، شاعر الأرز، ولم يقلّ عنه إبداعًا وحبًّا لنظم الشعر وحفظه، واستذكارًا للأقوال المأثورة باللاتينيّة والفرنسيّة والعربيّة.

كان يقرأ ويغرف ويدقّق ويعلّق تعليقًا متماديًا، بقلم الرصاص، على الفقرات اللافتة والصفحات العديدة التي كان يلتهمها ويحتبسها في ذاكرته المذهلة.

قال لي يومًا عبارة بقيت كلوحة بيانيّة في ذهني ولم يمحها الزمن: "لا أريد أن تكون ضحيّة لياقتك". وكأنّه قرأ في عينيّ ما أحجمت عن الاستفاضة فيه ازاء زميل. ويذكر نقباء المحامين، والمحامون عامة، كيف استقامت المسيرة النقابيّة في عهده. كما انتخب وجدي ملّاط نقيبًا للمحامين وبقي في ذاكرتهم الجماعيّة رمزًا للاستقامة والاستقلال في الرأي والحزم في القيادة.

•••
مع وفاة وجدي ملّاط، يفقد لبنان رجلًا فذًّا، كان يقول عن نفسه إنّه "يكره السياسة" وأنّه بطبيعته "يكره الغوغاء ويحب أن يحيا ليس في الظلّ وإنّما في أضواء نفسه".

وجدي ملّاط كان أوّل رئيس للمجلس الدستوريّ وشغل عام 1965 منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعيّة في حكومة الرئيس رشيد كرامي في عهد الرئيس شارل حلو، الذي كانت تربطه به علاقات وثيقة ثقافيّة وعائليّة.

بيد أن هناك ما هو أبعد من هذه المراكز الرسميّة على أهمّيتها.

لقد عرفته محاميًا صلبًا، محنّكًا، يندر مثيل صلابته في المنازعة وحنكته في قيادة الملفّات الصعبة، لا يتراجع أبدًا ولا يسترخي، يقاوم، يطالب، يترافع، يحشد الحجج ويجمع الشواهد بقدر هائل من التصميم وبإرادة فولاذيّة، وبفضل ما كان مبدعًا وفنّانًا في تلمّس المنطق الغالب واختيار المسالك الهادفة. في هذا الحقل، عنيت في عالم كبار المحامين، لم يترك وجدي ملّاط الصدارة إلّا عندما قرر التفرّغ لرئاسة المجلس الدستوريّ، ثمّ تسليم المشعل الى ولده شبلي.

•••
لست أدري ما الذي سوف يختاره التاريخ من خصائل وجدي ملّاط.

الأكيد أنّ الخيار سيكون عسيرًا.

قد يبقى الأديب، الشاعر، أو النقيب الصلب، أو الوزير المتمرّد، أو المحامي المحنّك والقويّ الشكيمة، أو كل هذه الصفات معًا، وهو الأرجح في نظري. لكنّ المؤكّد أيضًا هو أنّ وجدي ملّاط سيجتاز الأزمان بفضل استقلاله في الرأي وعشقه الأعمى للعدالة وسعيه المتفاني الى التوافق دون تنازلات عن المبادىء الاساسيّة.

استقال فجأة عام 1997 من رئاسة المجلس الدستوريّ، وعندما ألحّت عليه إعلاميّة بارزة بأسئلتها المحرجة، لم يقبل بإفشاء سرّ المذاكرة بل قال لها: بعدما تمّ منذ أربعة أشهر  تقديم طعون في نيابة سبعة عشر نائبًا صار انتخابهم خلال صيف 1996... اتّضح لي أنّ ثمّة حاجزًا بيني وبين بعض أعضاء المجلس الدستوريّ... وفي النهاية اتّخذت قراري. فلا أستطيع تغيير الطبيعة البشريّة... ولا الذهنيّات... وإذا لدى البعض رغبة في إرضاء شخصيّات سياسيّة لأسباب قد تكون وجيهة، فيبقى ان يتحمّل كلّ منا مسؤوليّاته... خصوصًا أنّني كنت أسعى الى أن تتّخذ القرارات بالإجماع من أجل الايحاء بالثقة وبصدقيّة المجلس الدستوريّ.

وأردف: قراري نهائيّ، ولا رجوع عنه.

قد يكون هذا الموقف أبرز ما صدر عن وجدي ملاط في حياته العامة.

نحن، معشر من رافقناه عن كثب، يبقى لنا الصديق الكبير الذي انزوى أخيرًا، دون أن يزول بريقه، ودون أن يغيب.

إنّ العظام حاضرون دومًا.

رحم الله وجدي ملّاط.           بقلم ابراهيم نجار

وقال رئيس "اللقاء الديموقراطيّ" النائب وليد جنبلاط: "فقدنا اليوم صديقًا صدوقًا وهو إبن الدوحة الملّاطيّة المحامي الراحل وجدي الملّاط الذي كان صديقًا تاريخيًّا لآل جنبلاط عبر العقود، وهو الذي كان معروفًا بمواقفه التقدميّة والوطنيّة والأدبيّة والفكريّة والسياسيّة، وبسعة علمه، وهو كان كالسنديانة الشامخة التي هوت بعدما فقدت مناعتها في مواجهة ما يسمّى طبقة سياسيّة متصحّرة فكريًّا وأخلاقيًّا لم تكلف نفسها عناء حضور جنازته".  

وزاد: "كأنّ معظم هذه الطبقة لا عمل لها ليل نهار وصبح مساء سوى تكرار شعارات الحريّات العامة والسيادة والاستقلال، بينما هي تفقد ذاكرتها الوطنيّة التي تضم شخصيّات من أمثال وجدي الملّاط الذي واكب مراحل في غاية الأهميّة ومن بينها مرحلة إسقاط إتفاق 17 أيّار حيث قدّم المشورة القانونيّة والدستوريّة لإسقاط هذا الاتّفاق في مجلس النواب من قبل الجبهة الوطنيّة التي انضممنا فيها الى الرئيس نبيه بري والرئيس الشهيد رشيد كرامي والرئيس الراحل سليمان فرنجيّه، وكان يرافق تلك الجبهة من بعيد الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي شارك أيضًا في مؤتمري لوزان وجنيف".

 

يراجع:

* مقالة منشورة للدكتور حسان حلاق المؤرّخ والأستاذ الجامعيّ أصول العائلات البيروتية - 130 –  آل ملّاط: مسيرة مشرقة في القضاء والمحاماة والأدب والشعر ومنهم أوّل رئيس للمجلس الدستوري منشورة في جريدة اللواء السبت تاريخ 27 حزيران 2015.

* كلمة وزير العدل إبراهيم النجار منشورة على موقع رسالة بيروت الالكتروني بتاريخ 19/4/2010 .

* جريدة الحياة عدد 17182 تاريخ 20/4/2010.

 

 

 

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment