التبويبات الأساسية

شارل مالك: دور لبنان في صنع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان

  • شارل مالك: دور لبنان في صنع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان-0
  • شارل مالك: دور لبنان في صنع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان-1
  • شارل مالك: دور لبنان في صنع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان-2
  • شارل مالك: دور لبنان في صنع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان-3

المجلس الذي تشكّل تلك الّلجنة جزءًا منه، والتي ترفع إليه تقاريرها، وكنت أيضًا رئيس الّلجنة الثالثة التابعة للجمعيّة العموميّة في جلستها الثالثة في الخريف والتي انعقدت في باريس. وكانت هذه طوّرت خلال ما يزيد على 80 جلسة الشكل النهائيّ للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، ذلك الإعلان الذي أقرّ في 10 كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام في قصر شايو في باريس من دون أي صوت معارض. وكنت قد انتخبت لهذه المناصب الثلاثة بالاقتراع السرّيّ. لذلك كان من الطريف أن يرفع مقرّر لجنة حقوق الإنسان مسودّة الإعلان إلى رئيس المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ في جلسة الصيف التي انعقدت في جنيف، الذي يرفع بدوره المسودّة كما أقرّها المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى الجمعيّة العموميّة. وهكذا كان مقرّر اللجنة ورئيس المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ ورئيس الّلجنة، جميعًا شخصًا واحدًا يرفع بنفسه التقارير إلى نفسه. ومن الجائز الجزم إنّ يومًا واحدًا مرّ خلال العام 1948 لم يرافقه شيء من حقوق الإنسان – كلمة ربما، أو فقرة فاصلة، أو حادثة أو اقتراح نظريّة، أو التقدّم باعتراض، أو اتّخاذ موقف أو مقابلة خاصة كانت لي مع أحدهم (سانتا كروز من التشيلي مثلاً، أو تشانغ من الصين أو بافلوف من الاتّحاد السوفياتيّ أو السيّدة روزفلت من الولايات المتّحدة أو رينيه كاسان من فرنسا أو سكرتير حقوق الإنسان جون همفري من كندا). وهي أحداث انطبعت في عقلي وفي ذاكرتي.

 

 

لا أدري إذا مرّ آخرون بتجربة مماثلة في الأمم المتّحدة عند إقرار أيّ وثيقة بأهمّية الإعلان العالميّ أو حتّى أي وثيقة على الإطلاق. كنت، وما زلت، أدوّن يوميًّا أحداث حياتي. فأحداث اللجنة والمجلس والجمعيّة العموميّة، وما جرى خلف المسرح، تمّ تدوينها في مذكّراتي.

 

بديهي إنّ الأمم المتّحدة تحتفظ بسجلّ للمداولات الشفهيّة، إلى جانب سجلاّت حرفيّة أو موجزة لسَير الجلسات. لكنّ مواد مهمّة في مذكّراتي لا توجد في هذه السّجلات ولا في المحاضر. لقد كان قصدي منذ سنوات أن أنصرف، بانعزال تام عن العالم الخارجيّ لبضعة أشهر أو ربما لسنة كاملة، للبحث في جميع ما نشر حول الإعلان العالميّ وما دوّن حوله، بما في ذلك وعلى رأسها مذكّراتي وأوراقي. لكنّ التعليم والمحاضرات في جامعات معيّنة، إلى جانب حضوري وإلقاء كلمات في مختلف أنواع المؤتمرات في لبنان، وأميركا، وكندا، وأميركا اللاتينيّة، وأوروبا والشرق الأوسط، وما يستحوذ عقلي من انصراف إلى القضايا المصيريّة في لبنان والشرق الأوسط، ومعضلات هذا العصر الأساسيّة في حقلَي الروح والمعرفة، جميعًا حالت دون تحقيق رغبتي. ربما لم يفت الوقت بعد لتحقيقها. سأكون جدّ محظوظ لو فرغت من هذا في الاحتفال الأربعين، في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1988، للإعلان العالميّ لشرعة حقوق الإنسان التي أذيعت في باريس عام 1948.

 

الإنســان وطبيعتــه

 

البحث المعمّق في الإعلان العالميّ، منذ بداياته حتّى إعلان باريس في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948، يظهر ما اتّفق على إقراره، وأيضًا ما لم يؤخذ به خلال المناقشات (مقدار الاستقطاب، طريقة التصويت التي اعتمدتها الدول لإقرار المحتوى أو رفضه). وهي جميعًا في صلب المواجهة العقيديّة لعصرنا هذا. لم يكن إطار المواجهة عقل فيلسوف عكف على تأمّل المواجهات العقائديّة في هدوء مكتبته، يستعين فقط بالكتب والوثائق. بل كانت مواجهة ملموسة، مباشرة، حادة مسؤولة حول طاولة مفاوضات من رسميّين يمثّلون فعليًّا جميع دول العالم. وخلال جميع مراحل تلك السنوات كان للحكومات والأنظمة الكثير من الفرص لمراجعة مواقفها وتأكيدها أو تبديلها. من الممكن أن يكون الإعلان فريدًا بين الوثائق المماثلة له في الأهمّيّة في الفوز بهذا المقدار من الدراسة والتمحيص من جميع دول العالم. ليس من حقيقة إلّا في إرادة حيّة تواجه بحيويّة إرادة حيّة مغايرة. الحقيقة ليست في عقل فيلسوف متوحّد يتذكّر أو يتخيّل أو يفترض ما يمكن لإرادة حيّة أن تفعل في مواجهة إرادة أخرى حيّة. محلّ هذه الحقيقة هو النقاش والمناظرة بين أحياء في حضورهم جميعًا. كان المحلّ الأمم المتّحدة والحضور الفعليّ كان نقاشنا ومناظراتنا. وكان لا بدّ للإعلان العالميّ، إذ يتناول الإنسان، في طبيعته وحقوقه وحريّاته، أن يثير المسائل العقائديّة الأساسيّة في عصرنا، كلّ ذلك، كما ذكرت، في طريقة حيّة مسؤولة من ممثّلين لحكومات، كلّ منها متأصّلة في ثقافتها وخلفيّاتها الخاصة. لأنه في التحليل الأخير، طبيعة الإنسان ومصيره هما لبّ كلّ نقاش فلسفيّ وحدث تاريخيّ في عالمنا الحاضر. ظهر الكثير من الأعمال الفكريّة حول هذا الموضوع (مثلاً كتاب رينولد نيبور ضمن سلسلة: "محاضرات غيفورد"، وأيضًا جميع الكتابات الوجوديّة الأوروبيّة، خصوصًا الألمانيّة منها). ولكن ليس من مادة بينها أكثر تنويرًا لهذا الموضوع وحسمًا له من مداولات الأمم المتّحدة حول الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، لأنّها كانت مؤسّسة مباشرة على حدث عالميّ ذي مغزى تاريخيّ يسأل الفلاسفة شخصيًّا عن آرائهم. أمّا هؤلاء الرجال والنسوة في اللجنة وفي المجلس وفي الجمعيّة العموميّة فقد كانوا مسؤولين في الدرجة الأولى أمام حكوماتهم وثقافاتهم. إنّ المسؤوليّة الرسميّة التاريخيّة في عملهم كانت عنصرًا حاسمًا.

 

قضـايـا عقائديّــة

 

لن يتّسع لي في هذه المقالة الموجزة إلّا الإشارة إلى بعض القضايا العقائديّة التي سيكون التوسّع فيها في المستقبل. إنّ أوّل مواجهة عقائديّة تعلّقت بالطبيعة الميتافيزيقيّة لهذه الحقوق كانت: هل هي أصيلة ومتأصّلة ؟ أم هي معطاة ومشتقّة ؟ وهل هي من طبيعة الأشياء أم هي هبة من الحكومات والأنظمة ؟ هل هي حقوق مُطلَقة أم هي نسبيّة تتحكّم بها الشروط والظروف ومراحل التطوّر التاريخيّ؟ هل هي من صنع الإنسان أم هي مستمدّة من مصادر خارج الإنسان وأرفع منه؟

 

وخرج من هذه النقاشات اصطلاحان: كلمة "اعتباطيّ" وجملة "من طبيعة الأشياء". كانت المعارضة لوصف الحقوق بأنّها نابعة من " طبيعة الأشياء" تأتي عادةً من السوفيات والاسكندينافيّين وبعض الدول الآسيوية التي نادت بأنّ حقوق الإنسان تنبثق من إرادة الحكومات والحتميّة التاريخيّة. فهم إما فاتهم فهم معنى " من طبيعة الأشياء" أو اعتبروه من الغموض بحيث قارب أن يكون من مصطلحات السحر. المندوب الفرنسيّ كاسان لم يحسم موقفه حول طبيعة هذه الحقوق. وإلى حدّ ما كان ذلك موقف الولايات المتّحدة. سيكون موضوعًا أخّاذًا لو حقّق في موقف كلّ مندوب أعلن عن موقف مباشرةً أو غير مباشرةً، بالتصريح أو بالمداورة عن هذا السؤال، إذ كلّ موقف كان تعبيرًا عن موقع الحكومة والثقافة منه.

 

لم يكن من الممكن استعمال كلمتي " الله " و " خلق " في المادة الأولى. جرت محاولة لكن دون جدوى، لأن المناخ الفكريّ السائد كان معاديًا بقوّة لهذه المصطلحات. حجّتهم كانت إنّ الإستعانة بهذه المفاهيم لا بدّ من أن يفرض على العالم الإعتقاد بوجود الله. وعندما جوبهت هذه الحجّة بإنّ إسقاط هذه الإصطلاحات سيفرض الإلحاد على العالم، توصّلت الّلجنة الى تسوية في اعتماد كلمتي "ولد" و "وهب". هذه الحجج والحجج المضادة لا تجدها عادةً في النقاشات العلنيّة، بل تجد مكانها في النقاشات غير الرسميّة خارج القاعدة. فثمّة أحوال يصل المرء فيها إلى اقتناع توحيه إليه الأجواء العامّة إنّ تعابير كـ"الله" و" خلق" لن تمرّ، وعلى المفاوض في كلّ مرّة أن يقرّر، سواء بالمفاوضات الرسميّة أو بالأحاديث الجانبيّة أو التقويم للأجواء، ما هي الأمور التي يمكن طرحها وتلك التي لا جدوى من طرحها. المذكّرات الشخصيّة تضيء الكثير من الزوايا المظلمة حول كيفيّة الوصول إلى هذه القرارات. إنّ التسوية التي قضت بإقرار "يولد" و "وهبوا" كانت موفّقة. فمع أنّه تمّ تجنّب استعمال كلمتي "الله" و"خلق" اللتين ازعجتا البعض، فإنّ كلمة "يولد" تتضمّن بالتأكيد فكرة " من طبيعة الأشياء"، كما إنّ "وهبوا" تثير مسألة ما الذي أو من الذي وهب. جليّ إنّ الملحد يعتبر الواهب "الطبيعة"، ولكنّ المؤمن بالله حرّ في الاعتقاد بإنّ الواهب هو الله. وعند القول "بالطبيعة" نكون قد عدنا إلى "طبيعة الأشياء" مع العلم بأنّ كلمة "طبيعة" في عبارة "طبيعة الأشياء" تختلف عن كلمة "طبيعة" في عبارة "وهبوا من الطبيعة". ويبقى خيار ثالث للملحد، وهو أن يقول: وهبوا من لا شيء، من العدم. عندئذٍ نكون إزاء شيء يأتي من لا شيء، وذلك أدلّ على الخرافة والسحر. وكثيرًا ما يكون الغموض في الوثائق الدوليّة متعمّدًا. فللغموض حسنة تأجيل القرار الحاسم بينما يوسّع إمكانات عدّة لتفسير النص. وتبرز هذه المواجهة العقائديّة روح العصر، وهو بالتحديد استعلاء الإنسان واكتفاؤه بذاته. بات الإنسان الله.

 

ثار النقاش من جديد حول اصطلاح "اعتباطيّ" الذي حصره السوفيات والاسكندينافيّون وبعض الآسيويّين بمفهوم قانونيّ. فالاعتباطيّ هو فقط كل ما يخالف القانون الوطنيّ. فالقانون الوطنيّ من ثمّ لا يمكن أن يكون اعتباطيًّا بحيث لا يوجد قانون أرفع منه مكانةً يحدّد بموجبه. كثيرون أثاروا رأيًا مضادًا، هو رأي الرواقيّين القدماء ورأي القديس توما الأكوينيّ الذي يقطع في وجود حقّ طبيعيّ يمكن للعقل أن يبحث عنه ويعرفه. هو صدى ليس فقط لشيشرون والقانونيّين الرومان، بل يعود إلى أبعد منهم، إلى سوفوكليس (مثلاً، في تراجيديّته "انتيغون"). وإلى حدّ ما تربط بما تقدّم إثارة قضيّة التراتبيّة. هل بين الثلاثين مادة التي تمّت صياغتها ما يمكن أن يشكّل لبسًا لسائرها، يفوقها أصالةً، بحيث إذا عطّلت تكون الإساءة إلى كرامة الإنسان أشدّ ؟ بعضهم زاغ عن هذا السؤال، فهو لم يكن كبير الأهميّة عندهم، بينما اعتبره آخرون ذا أهمّية كبرى. وبدا البعض على استعداد للاعتراف بشيء من التراتبيّة في هذه الحقوق، لكنّهم تفادوا استعمال الكلمة. فكانت كلمة "تراتبيّة" تزعجهم. من الطريف إنّ بين رافضي التراتبيّة ممثّلين لأشدّ الأنظمة تسلّطًا. موقفهم بدا كأنّه شعور بالذنب، فإنّهم أحسّوا بوجود حقوق أشدّ أصالةً، لكنّهم إن اعترفوا بها خرجوا عن موقف حكوماتهم الرسميّ التي لا تحترم هذه الحقوق، وكانت تطفو هذه الشكوك العقائديّة في كلّ مرحلة من مراحل نقاشاتنا. ومرّة أخرى، إنّ التحقّق من مواقف المندوبين المختلفين خلال سير المناقشات حول هذه المسألة يظهر الكثير عن مستوى الصقل الثقافيّ لكلّ مندوب. فكان ينزع البعض إلى إنّه لا يوجد شيء أكثر بداهةً من إنّ حريّة التفكير وحريّة الضمير وحريّة القرار وحريّة الوجود هي الأساس الذي تنبثق منه مختلف الحقوق. وإنّ حجب هذه الحقوق الأساسيّة أو التلاعب بها يجعل مختلف الحقوق لا قيمة لها وتكون بمثابة من ربح العالم كلّه وخسر نفسه.

 

وتثير مسألة " الحقوق الأصليّة" و"التراتبيّة الأساسيّة" مظهرًا آخر من روح عصرنا. إنّه بالتحديد تسطيح القيم وجعلها جميعًا متساوية وعلى مستوى واحد والرفض العبثيّ لتراتبيّة صحيحة. هنا، لا يسرعَنّ أحدنا إلى رمي الآخر بحجر. فباستثناءات قليلة، إنّ التسطيح ظاهرة شائعة في الغرب بمقدار شيوعها في الشرق.

 

الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة

 

باتت أيضًا مسألة التراتبيّة أثناء تعداد ما كنّا ندعوه بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والتركيز على بعضها (المواد 1-19) والحقوق المدنيّة والسياسيّة بالحقوق الشخصيّة والفرديّة. وفي ما يلي تصنيف للحقوق في شكل مبدئيّ جدًّا:

 

المادة (1) قائمة في ذاتها. المادة (2) تنادي بعدم التمييز وبذلك تنطبق على جميع مقترحات الإعلان. المادة (20) و(21) تمهّدان للانتقال من الحقوق المدنيّة والسياسيّة اإلى الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وكان اتّجاه الكتلة الغربيّة يميل إلى التركيز على المواد التي تتعلّق بالحقوق المدنيّة والسياسيّة باعتبار إنّها أكثر أصالة، لكنّ الاتّحاد السوفياتيّ وبعض الدول الآسيويّة والأفريقيّة ركّزت على الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة. والجدير بالذكر إنّ المسألة الاجتماعيّة كانت مثارة بقوّة بين الأعوام 1945 و1948 في أوروبا وأميركا (جزئيًّا بسبب فوز الشيوعيّين بتحالفهم مع الغرب على الفاشيّة والقوميّة الاجتماعيّة في الحرب العالميّة الثانية، مع إنّ الآخرين ركّزا على الاشتراكيّة). فالغرب كان يعترف اعترافًا كاملاً بإنّ الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة هي في صلب كرامة الإنسان، لكنّه كان يرى أيضًا إنّ الحقوق المدنيّة والسياسيّة أشدّ أصالةً. وقد برع الاتّحاد السوفياتيّ في إبراز أهميّة الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وكان كاسان، مندوب فرنسا، يدعم السوفيات في شكل دائم، لكنّ موقفهم إزاء الحقوق المدنيّة والسياسيّة كان أقلّ حماسةً. فهم إمّا امتنعوا عن التصويت أو صوّتوا ضدّها أو اقترحوا تعديلات لم تكن مقبولة. وفي معرض شرحه في نهاية 10 كانون الأول (ديسمبر) أسباب امتناع الاتّحاد السوفياتيّ والكتلة السوفياتيّة عن التصويت على الوثيقة، فإن فيشنسكي عزا السبب إلى فشل الإعلان في الإحاطة في شكلٍ كافٍ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة. كانت ناصية الدفاع عن الحقوق المدنيّة والسياسيّة والفرديّة والشخصيّة معقودة للغرب، أما ناصية الدفاع عن الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة فكانت للشرق. يشرح بردياييف في مصنّفاته كيف إنّ الروح الروسيّة بالاستقلال عن الماركسيّة، تشغف بالمفاهيم الاجتماعيّة والجماعيّة.

 

إن الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة في الدول الآسيويّة والأفريقيّة كانت مؤسفة جدًّا. فآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط كانت ضمن ما يصفه الماركسيّون – اللينينيّة "باحتياط الثورة". لكن ما فات الآسيويّين والأفارقة إدراكه إنّ حرّية الفكر والبحث لا تنبثق، كما لو بالسحر، مع تحسّن الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة (أي بما يدعى الآن "الحداثة" و "التصنيع"). بل إنّ مسؤوليّة تأخّرهم الاقتصاديّ والاجتماعيّ تقع بالدرجة الأولى على غياب حركة الفكر والبحث في هذه الحضارات، وكذلك فإن توافر حريّة الفكر والبحث في الغرب خلال قرون كان وراء "حداثة" الغرب و"تصنيعه". فما لم تكن حريّة الفكر والبحث في لبّ الثقافة، فلن تتقدّم تلك الثقافة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وأيضًا لن تنهض حريّة الفكر ميكانيكيًّا من استيراد "الحداثة" و"التصنيع". كانت الأمثلة كثيرة في العام 1948، وازدادت منذ ذلك الحين واجهات من "الحداثة" و " التصنيع" تخفي وراءها ظلمة فكريّة وعبوديّة مرعبة. كانت حريّة التفكير والبحث في جامعات الغرب العظيمة، بما فيه التراث العظيم من الفكر والعلوم في روسيا السابقة للثورة السوفياتيّة والذي احتفظ به وأُضيف إلى جانبه العلميّ منذ 1917، سببًا أساسيًّا في " حداثة" و"تصنيع" الغرب والاتحاد السوفياتيّ. ومتى سيكون لآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط جامعة تقارب ولو من بعيد إلى اوكسفورد (تأسّست أكثر من 800 سنة خلت) أو السوربون (أكثر من 700 سنة) أو فرايبورغ (258 سنة) أو هارفرد (349 سنة)؟ ربّما لن يتمّ ذلك حتّى بعد ألف سنة. وباستثناء حرب نوويّة عالميّة أين ستكون هذه الجامعات حين إذن؟ وحتّى يتحقّق هذا لن تُضمن الحقوق المدنيّة والسياسيّة والفرديّة والشخصيّة، بل أيضًا وبالتحديد لن تؤمّن الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

 

كانت حواراتنا تتمحور دائمًا حول طبيعة الإنسان ومصيره، لكنّه لم يكن دائمًا من السهل فهم موقف الاتحاد السوفياتيّ. فالثورة الماركسيّة – اللينينيّة في طبيعتها ترمي إلى السيطرة على العالم بأسره (وهنا أيضًا يشرح بردياييف كيف إنّ الامتداد إلى الخارج، هذا النوع من المسيانيّة، هو في صميم الروح الروسيّة، وهو ما ورد في خطاب دوستويفسكي في 8 حزيران (يونيو) 1880 أثناء إزاحة الستار عن تمثال بوشكين في موسكو والذي قد يُساء فهمه بسبب تمسّكه بالسلافوفيليّة. فهل إن تركيز السوفيات على الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة كان من قبيل تحريض الجماهير للانضمام إلى الثورة في جميع أنحاء العالم؟ فإن كانت الثورة العالميّة جزءًا من عقيدتهم، فلا تناقض البتّة عندئذ بين العقيدة والدعاية السياسيّة. فللسوفيات الحريّة لاستعمال أيّ منبر، بما فيه منبر الأمم المتّحدة، للدعوة إلى الثورة. وهنا يكون وصف آسيا وأفريقيا (كاحتياط للثورة) في محلّه. فللشيوعيّين شيء واضح ينادون به. لكنّ السؤال كان عندئذ ويبقى: ما هي الرسالة الخاصة بالغرب والتي يؤمن الغرب حقًّا بها، والتي يجد لها حافزًا لا يُقاوَم لإعطائها للعالم؟ معاداة الشيوعيّة فقط؟ الدفاع عن النفس؟ البقاء بعيدًا وفي سلام؟ هل هذه الرسالة السلبيّة والدفاعيّة، إذا صحّت تسميتها رسالة، تلهب مشاعر الجماهير؟

 

كان وجود رسالة واضحة ونابضة أو غيابها ماثلاً أمامنا خلال جميع المواجهات العقائديّة. ذوو العيون المفتّحة رؤوها، أمّا مغمضو العيون فلم يرو شيئًا. لقد استسلموا للتفاصيل والجزئيّات.

 

حرّية الفكر والدين

 

لم تكشف بعد بالكلّيّة أسرار المادة الثامنة عشرة حول حريّة الفكر والدين وظروفها. وثمّت إشارات إليها مبعثرة في عدد من المطبوعات، سأقوم يومًا ما بكشف الستار عنها. معروف بعض الشيء كيف أصبحت هذه المادة موضوع هجوم لا هوادة فيه في ما بعد. لكنّها تغلّبت على محاولات القضاء عليها، وها هي اليوم تتلألأ من دون انتقاص. كانت حولها مواجهة أيديولوجيّة من النوع التاريخيّ الأوّل. كيف يمكن الإنسان أن يكون إنسانًا؟ كيف يمكنه أن يكون حرًّا بالفعل، لو حُرِم حقّه في القول وتاليًا في النموّ؟ سجنه في شرنقة باردة هو القضاء على إنسانيّته بالذات. جوهر الحرّية هو إمكان التغيير، فإذا حُرِم الإنسان من هذه الإمكانيّة أصبح عبدًا، كما إنّ من التناقض فرض الحريّة على الإنسان. فعليه، تحوي الحريّة أيضًا إمكان عدم التغيير وتصميم الإنسان على البقاء حيث كان دائمًا. لكنّ الحريّة لا تكون صحيحة ما لم تحوِ إمكان التغيير، فكلا الخيارين يجب توفيرهما. إنّ استعباد الجسد فيه الكثير من الخطورة لكنّ استعباد العقل هو أكثر خطورة. كم من الناس اليوم هم مخدّرو العقل؟ إن مأساة هذا اللون من العبوديّة إنّ الناس يعتادون عليها لدرجة أنّهم يقاومون هواء الحرّية المنعش. ببساطة لا يريدون أن يكونوا أحرارًا. الحرّية هي عبء عليهم، هي عذاب، ولا يعتبرونها القيمة العليا. إنّهم يستبدلون الحرّية بالّلذة، بالضمانات وبالحياة الخالية من الاهتمامات، يستبدلونها بشيء من السلطة، أي سلطة، على زوجاتهم، مثلًا وليس على أشخاصهم. عليكم قراءة أسطورة المفتّش الأعظم لدوستويفسكي في كتابه " الإخوة كرامازوف" فهم ما أرمي إليه. وتقوم الأنظمة الكلّيّة باستغلال هذا الضعف الإنسانيّ إلى أقصى درجة.

 

سيكون مشروع بحث ممتع لو تمّ إدراج جميع المواقف الأساسيّة لمندوب الصين السيد تشانغ. لم يكن السيد تشانغ شيوعيًّا إذ لم تكن الصين يومها قد سقطت في يد ماوتسي تونغ. سيظهر بجلاء إن مواقف السيد تشانغ تعود في أصولها إلى الثقافة الصينيّة الكلاسيكيّة والتي، طبعًا، لا علاقة لها بالماركسيّة (سبق أن ذكرت كيف يظهر بردياييف عددًا من عناصر الروح الروسيّة في تفسير العالم وهي روح مستقلّة عن الماركسيّة). وسيظهر بجلاء إنّ نظرة الصين الشيوعيّة إلى الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لن تختلف عن نظرة السيد تشانغ. فلو في مقعد الصين يومئذ ممثّل للصين الشيوعيّة لكان موقف الصين، عمومًا، غير مختلف عن ذلك الذي نادى به السيد تشانغ.

 

إنّ قراءة الصين للشيوعيّة هي قراءة صينيّة، وقراءة الاتحاد السوفياتيّ لها قراءة روسيّة. إن المزيج بين الماركسيّة والثقافة الروسيّة يختلف تمامًا عن الماركسيّة الممزوجة بالثقافة الصينيّة. وهنا أيضّا يبدو مظهر من الصراع الإيديولوجيّ العالميّ مدوّنًا في المحاولات الشاقة لصوغ مسودّة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، هي جميعًا مواضيع صالحة لتقصٍّ جدّيٍ.

وُضعت تفاسير عدّة للأسباب التي أدّت إلى التصويت على الإعلان من دون صوت واحد معترض. أشرت، في ما سبق، إلى تبرير السيد فيشنسكي لامتناع الاتحاد السوفياتيّ عن التصويت. يجب مقارنة التصويت النهائيّ وتفسير مواقف كلّ فريق مع المواقف التي أُخذت بما يزيد على 1500 تصويت على الجزئيّات خلال ما يزيد على الـ 80 اجتماعًا من اجتماعات اللجنة الثالثة في خريف 1948 في باريس. سوف تظهر هذه المقارنة نماذج عن الانسجام أو عدمه في مواقف كلّ وفد. إنّ دور المؤسّسات غير الحكوميّة، يهوديّة وكاثوليكيّة وبروتستانتيّة وغيرها، كان مهمًّا جدًّا، سواء في الّلجنة أو المجلس أو الجمعيّة العموميّة. ومهم أيضًا الدور الذي لعبه بعض المفكّرين والقانونيّين الذين أرسلوا لنا أعمالًا لهم أو اقتراحات. طبيعي أن يحتفظ بجميع هذه الوثائق في محفوظات منظّمة الأمم المتّحدة، ولكن فيما الكثير من هذه الاقتراحات كانت بمبادرة من هذه المؤسّسات والقانونيّين، فإنّ بعضها كان بطلب من أعضاء اللجنة أو المجلس أو الجمعيّة العموميّة. كان بعضنا يصرف وقتًا لمراجعة الاقتراحات مع الذين تبرّعوا بها قبل رفعها رسميًّا. هنا أيضًا لا بدّ للمحفوظات الشخصيّة من أن تضيء الكثير من التفاصيل. أودّ أن أشهد لمصلحة اهتمام الكثير ومساهماتهم المهمّة من يهود وكاثوليك وبروتستانت. إنّ اسماء هؤلاء هي مكان حرص واعتزاز في ذاكرتي ومذكّراتي.

 

أداة القياس والتقويم

 

تصف الديباجة الإعلان العالميّ بإنّه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافةً. وبهذا يكون الإعلان أيضًا أداة تقويم. إنّها تقيس وضع الإنسان ومقدار الحقوق التي حقّقها كلّ شعب وأمّة. إنّ العالم بأسره قد أظهر إرادته في الإعلان، وكان ذلك، كما رأينا، بعد مراجعة دقيقة ومسؤولة من ممثّلين رسميّين لكلّ كلمة وكلّ حرف وكلّ معنى في هذه الوثيقة. إنّه الإعلان العالميّ الوحيد من نوعه في التاريخ. قد تجد مفاهيم للإنسان وكرامته عند اليونان أو الرومان أو اليهود أو المسيحيّين أو المسلمين أو البوذيّين أو الماركسيّين أو الصينيّين أو الروس أو الهندوس أو الألمان أو الفرنسيّين أو الّلاتين أو الأنغلوساكسون، لكنّ هذه المفاهيم لا تشكّل نظرة عالميّة أو شاملة. وحده الإعلان العالميّ الذي اشتركت في وضعه جميع هذه الأمم والثقافات والأديان يصحّ فيه هذا الوصف. أقلّه أنّه الوثيقة الوحيدة في التاريخ التي وافقت عليها جميع أمم الأرض من دون أن تعترض عليها دولة واحدة. من الممكن القول أن الإنسان قد عرّف نفسه في الإعلان العالميّ. لا نريد القول أنّ الإعلان العالميّ هو "أعمق" أو " أصحّ" أو "أكثر صدقًا" من التعريفات المحلّيّة التي ذكرتها أعلاه. نحن فقط نؤكّد أنّه التعريف العالميّ الأوّل والوحيد في التاريخ. ما هو مقدار الكرامة الإنسانيّة أو الحرّيات في هذه الدولة أو الثقافة؟ يمكن احتسابها على أساس الإعلان العالميّ. فالأسرة الدوليّة قد حرّمت في المادة الثانية التمييز، والأسرة الدوليّة ذكرت في المادة الثامنة عشرة حرّية الفكر والضمير والدين. في إمكاننا إذن أن نُخضع كلّ دولة أو ثقافة لهذه المواد ونتّفق على مقدار التمييز فيها أو مقدار حرّيات الفكر والدين التي تحميها. فكلّما ثار صخب حول حقوق الإنسان في آسيا أو أفريقيا أو الاتحاد السوفياتيّ أو أوروبا الشرقيّة أو أوروبا الغربيّة أو الولايات المتّحدة أو كندا أو أوستراليا أو أميركا اللاتينيّة أو الشرق الأوسط، فإنّ الإعلان العالميّ يحضر إلى الذهن. وغالبًا ما يتوجّهون إلى الإعلان مباشرةً. إنّ الإعلان العالميّ بات الفصل، بات الخميرة التي تخمّر ضمير العالم. مَن في إمكانه قياس الأثر الذي أحدثه؟

 

منذ بداية عملنا في اللجنة، انكبّ العقل القانونيّ بيننا على صوغ مداولاتنا في قالب قانونيّ فيما الآخرون لم يعلّقوا أهمّية كبرى على الوثائق الثانونيّة. غايتهم اتّجهت بادئ الأمر إلى وضع المبادئ في شكل إعلان يبيّن ما للإنسان كإنسان من حقوق وحرّيات وما عليه من واجبات. ومن شأن هذه المبادئ أن تشحذ العقل وتحفّزه أكثر مما يمكن أن تحمله عبارات القانونيّين، وإن صيغت هذه العبارات في إطار اتّفاقات تبرمها الحكومات وتكون بالافتراض ملزمة لهم. أقول " بالافتراض" لأنّه ليس أسهل من الاحتماء بالمادة الثانية من الفقرة السابعة من شرعة الأمم المتّحدة (وهي تتناول التشريع المحلّي)، خصوصًا في مواد تتعلّق بحقوق الإنسان. وبالفعل هذا هو ما يعمد إليه منذ البداية. هل المواثيق التي صيغت بعد 1948 وعلى أساس الإعلان العالميّ حمت حقوق الإنسان بما فيها تلك التي وُضعت موضع التطبيق أكثر من الإعلان؟ أنا لا أنكر أهمّيّة هذه المواثيق. فأنا كنت من بين الذين قالوا بضرورة صوغها. وما أزعمه إنه حيث أُثيرت مسألة حقوق الإنسان كانت العودة إلى الإعلان وليس إلى المواثيق. إن القول كما يذهب البعض، إلى إنّ الأمم المتّحدة لم تكن راضية عن الإعلان الذي يفتقد إلى الالتزام، إذ هو قرار من الجمعيّة العموميّة، فاهتمّت بوضع مواثيق ينسى، أوّلًا، إنّ الإحراج المعنويّ، في المدى الطويل، هو أكثر فعّاليّة من الإلزام القانونيّ. وثانيًا، إنّ عددًا كبيرًا من القرارات بما فيها قرارات مجلس الأمن، لم تطبّق. وثالثًا، إنّ المواثيق في كلّ مرحلة من مراحل صوغها، عليها أن تأخذ في الاعتبار ضوابط المادة الثانية من الشرعة في فقرتها الثالثة. وهكذا عكست المواثيق الصادرة، في غالبيّتها، ما كانت تطبّقه الدول التي أقرّت الإعلان. فليس لأيّ من هذه المواثيق الصفة العالميّة التي يضيفها الإعلان. والسبب إنّه فيما لم تعارض دولة واحدة الإعلان العالميّ، فإنّ الدول التي لم تقرّ المواثيق أساءت إلى عالميّته. طبيعيّ أنّه لا يمكن التنبؤ بما كانت ستكونه الأحوال لو أخذ المسرى التاريخيّ منحى آخر، لكنّي أشكّ إنّ قضيّة حقوق الإنسان ستكون أكثر وقعًا لولا الإعلان العالميّ. كثير من الأمور الحاسمة بدأت في مناقشات اللجنة الثالثة في خريف 1948 في باريس. ففي الكواليس كانت تجري جميع الوان الشدّ والإرخاء، الضغط ولَيّ الأيدي، الأمل والخيبة. ومن المستحيل جمع هذه التفاصيل في تقرير واحد. وبهذا المعنى يمكن فهم جوهر التاريخ. إنّ التاريخ لن يكون قطّ مدوّنًا بالكامل أو معروفًا بالكلّيّة.

 

استمّرت مناقشات اللجنة الثالثة طويلًا وكان التقدّم بطيئًا. فقرابة 1 كانون الأول (ديسمبر) 1948، بدأ يلوح خطر عدم الفراغ من صوغ الإعلان العالميّ قبل جلسة الجمعيّة العموميّة. دلائل عدّة نبّهتنا إلى هذا الخطر من داخل اللجنة ومن خارجها. ولو حدث ذلك، فالله وحده يعلم إذا كان الإعلان سيصل إلى الغاية الباهرة التي وصل إليها في 10 كانون الأول (ديسمبر). مررنا بأحوال عدّة في الأمم المتّحدة (قبل 1948 وبعدها) حيث عمد البعض إلى طرائق تأخير وتأجيل اعتباطيّ لاستكمال العدّة لبعض المكائد الدبلوماسيّة والتي حالت دون بعض النتائج. فكان علينا أن نكون جدّ حذرين. اجتمع البعض منّا للبحث في هذه المسألة، وكان تصميمنا على إنهاء الإعلان وإذاعته للعالم قبل نهاية العام 1948. وكان علينا إزالة كلّ ما سيعوق عملنا الدؤوب والمركّز. ولهذا الغرض استنبطنا إجرائين:

1) اجتماعات مسائيّة، إذا قضت بها الضرورة، تضاف إلى جلسات الصباح وبعد الظهر وجلسات يوم السبت. و2) تحديد وقت مداخلات كل عضو (كانت اللجنة تتألّف من نحو ستين عضوًا) ثلاث دقائق لكلّ مداخلة. ولاحتساب الوقت وضبطه، قمت، كرئيس للّجنة، بالحصول على ساعة توقيت استعملتها من دون رحمة. تسبق انتهاء المهلة طرقة واحدة من مطرقة الرئاسة، 30 ثانية قبل انصرام الوقت (كنت من فترة إلى أخرى استعمل تقديري لإعادة النظر في مهلة 3 دقائق، ولكنّ كما أذكر، لم أسمح لأحد التكلّم أكثر من خمس دقائق سواء أكان صاحب الكلام السيّدة روزفلت أم كاسان أم بافلوف أم سانتاكروز أم تشانغ أم (كريم) عزقول مندوب لبنان. وقد تعاونت اللجنة في شكل ممتاز. من المذهل كم تستطيع خميرة صغيرة إذا تبارت على تخمير عجين كثير. وهكذا استطعنا إنهاء مهمّتنا في الوقت المناسب لانعقاد الجلسة العموميّة والتصويت وإقرار الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان وإعلانه يوم 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948.

(شارل مالك، دور لبنان في صنع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، نوفل، ص 255)

 

      

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment