التبويبات الأساسية

تجربة مجلس الشيوخ في لبنان

تجربة مجلس الشيوخ في لبنان

تجربة مجلس الشيوخ في لبنان

(مقال للأستاذ جوزف مغيزل نشر في جريدة "النهار" بتاريخ 18/3/1984)

 

        من التعديلات الدستوريّة المطروحة في لبنان، إنشاء مجلس شيوخ تتمثّل فيه الطوائف بالتساوي.

        لذا لا بدّ لي من المفيد أن نستعيد بالذاكرة تجربة سابقة عاشها لبنان في صيغة الدستور الأولى.

        في تاريخ 23 أيّار عام 1926، صدر الدستور اللبنانيّ، فنصّ في بابه الثاني، تحت عنوان "السلطات"، في الفصلين الأوّل والثاني، على ما يلي:

"المادة السادسة عشرة: يتولّى السلطة المشتركة هيئتان: مجلس الشيوخ ومجلس النواب،

المادة الثانية والعشرون: يؤلّف مجلس الشيوخ من ستّة عشر عضوًا، يعيّن رئيس الحكومة سبعة منهم بعد استطلاع رأي الوزارة، ويُنتخب الباقون، ويكون مدّة ولاية عضو مجلس الشيوخ ستّ سنوات، ويمكن أن يُعاد انتخاب الشيوخ الذين انتهت مدّة ولايتهم أو أن يُجدّد تعيينهم على التوالي،

المادة الثالثة والعشرون: يُشترط في عضو مجلس الشيوخ، أن يكون لبنانيًّا بالغًا من السنّ خمسًا وثلاثين سنة كاملة، ولا يُشترط في صحّة انتخابه أو تعيينه عضوًا في مجلس الشيوخ، أن يكون مقيمًا في لبنان الكبير موعد الانتخابات، وسيوضع قانون خاصّ، تعيّن بموجبه مناطق الانتخاب وأهليّة المنتخبين وكيفيّة انتخابهم".

        وفي 17 تشرين الأوّل عام 1927، أقرّ المجلس النيابيّ قانونًا دستوريًّا، ألغى به مجلس الشيوخ، وحصر البرلمان في مجلس النّواب. فيكون مجلس الشيوخ قد عاش سنة وخمسة أشهر فقط.

        انطلاقًا من هذه الموادّ، ومن موادّ أخرى تناولت هيئة مجلس الشيوخ، نطرح الأسئلة الآتية، ونحاول الإجابة عنها، لعلّ في ذلك ما ينير سبيل الباحثين في إحياء التجربة.

        ممّن كان يتألّف مجلس الشيوخ؟ وما كانت صلاحيّاته؟ ولماذا ألغي بعد فترة قصيرة من الزمن؟

ممّن كان يتألف مجلس الشيوخ؟

1 _ في عدد أضاء مجلس الشيوخ؟

        رأينا أن الماّدة الثانية والعشرين من دستور 1926 القديمة، قد حدّدت عدد أعضاؤ مجلس الشيوخ بستّة عشر عضوًا.

2 _ في طريقة انتخابهم:

        ورأينا أيضًا، أن المادّة حدّدت أن سبعة من أؤلئك الأعضاء، يعيّنهم رئيس الحكومة بعد استطلاع رأي الوزراء، وأن الباقين ينتخبهم الشعب، لكنّ هذه الأحكام لم تطبّق فور إقراراها، إذ نصت المادةّ الثامنة والتسعون على أنّه: " تسهيلًا لوضع هذا الدستور موضع الإجراء في الحال، وتأمينًا لتنفيذه بتمامه، يُعطى فخامة المفوّض السامي للجمهوريّة الفرنسيّة، الحقّ في تعيين مجلس الشيوخ الأوّل،وفاقًا لأحكام المادّة 22 التي تحدّد عدد أعضاء المجلس، والمادة 96 (التي تنص على التوزيع الطائفيّ) إلى مدةّ لا تتجاوز سمة 1928".

        وهكذا بدأت هذه الهيئة التشريعيّة حياتها بتعطيا طابعها التمثيليّ الجزئيّ، إذ قام المفوّض السامي الفرنسيّ هنري دو جوفنيل، بإصدار قرار في تاريخ 24 أيّار 1926 يحمل الرقم 305 مكرّر، عيّن بموجبه جميع الشيوخ الستّة عشر، فكان الشيخ محمّد الجسر رئيسًا لهم، وحبيب باشا السعد نائبًا للرئيس.

3 _ في توزيعهم الطائفيّ:

        نصّت المادّة السادسة والتسعون، في تعيين أعضاء مجلس الشيوخ وانتخابهم، على اعتماد قاعدة التمثيل الطائفيّ المنصوص عليها في المادّة الخامسة والتسعين من الدستور، فوزّعت المقاعد على الطوائف بالنسب الآتية:

من الموارنة 5، من السنيّين 3، من الشيعة 3، من الأرثوذكس 2، من الكاثوليك 1، من الدروز 1، من الأقليّات 1، فيكون مجموع الأعضاء المسيحيّين تسعة، ومجموع الأعضاء المسليمن سبعة.

4 _ في شروط العضويّة:

  • كان يشترط في عضو مجلس الشيوخ أن يكون لبنانيًّا بالغًا من العمر خمسًا وثلاثين سنة كاملة.
  • وفي موعد الانتخاب، كان يمكن أن يعيّن الشيخ أو يُنتخب، وإن كان مقيمًا خارج لبنان (المادة 33)، وذلك رغبةً في إشراك شخصيّات لبنانيّة كانت تعيش آنذاك خارج البلاد.
  • ولم يكن يجوز الجمع بين المشيخة والنيابة (المادة 29)، إلّا أنّه كان ممكنًا الجمع بين عضويّة أيّ من مجلسّ البرلمان والوزارة، شرط ألّا يزيد عدد الوزراء المأخوذين من المجلسَيْن على ثلاث (المادة 38).  

5 _ في مدّة ولاية المشيخة:

        كان من المفترض أن يصدر قانون، يحدّد مناطق انتخال الشيوخ واهليّة المنتخبين وطريقة الانتخاب (المادة 23). إلّا أنّ هذا القانون لم يصدر.

 

في صلاحيّات مجلس الشيوخ:

        كان مجلس الشيوخ، عمومًا يتمتّع بصلاحيات شبيهة إلى حدّ بعيد بصلاحيّات مجلس النوّاب، إلّا في حقل التشريع. وأهمّ تلك الصلاحيّات:

1 _ انتخاب رئيس الجمهوريّة في جلسة مشتركة مع مجلس النوّاب، وبالفعل، كان أوّل عمل قام به المجلسان انتخاب شارل دبّاس، أوّل رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة تحت الانتداب.

2 _ سماع البيان الوزاري الذي تقدّمه الحكومات الجديدة، ومناقشته والتصويت على الثقة، في جلسة مشتركة مع مجلس النوّاب أيضّا. وهكذا جرى فعلًا عندما أصدر الرئيس دبّاس مرسومًا بتأليف الحكومة الأولى برئاسة أوغست ديب، فمثلت أمام المجلسين، وتلت بيانها ونالت الثقة منهما معًا.

3 _ إقرار القوانين: لم يكن يجوز لمجلس الشيوخ أو لأعضائه أن يقترحوا مشاريع القوانين، بل كانت هذه الصلاحيّة محصورة كما هي اليوم، في رئيس الجمهوريّة، أي في السلطة التنفيذيّة (يشارك الوزراء والوزير المختصّ في توقيع مشاريع القوانين المُحالة على مجلس النوّاب)، من جهة، وفي مجلس النوّاب، من جهة أخرى (المادة 18).

إلّا أنّ القوانين كان يجب أن يتمّ في الأصل، من قبل مجلسي البرلمان كلّ منهما على حدة، وفي الدورة البرلمانيّة نفسها، ما لم يكن مشروع القانون متعلّقًا بالأمور الماليّة، إذ كان يجب أن يطرح بادء ذي بدء على مجلس النوّاب، حتّى إذا ناقشة وأقرّه، أُحيل على مجلس الشيوخ لينظر فيه، ويقرّه بدوره (المادة 18)، ولا يُعتبر القانون مشرّعًا وقابلًا للإصدار، إلّا بعد إقراراه من قبل المجلسين.

        تلك عي القاعدة الأصليّة، لكن هناك حالات استثنائيّة تشذّ عن هذه القاعدة. فإنّ مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة، ويصادق عليها مجلس النوّاب، وكذلك مشاريع القوانين التي يسنّها مجلس النوّاب بالإتّفاق مع الحكومة، لا تحتاج إلى طرحها على مجلس الشيوخ، ولا إلى مصادقته ما لم يطلب ذلك مجلس الشيوخ صراحةً. ويتمّ طلبه على الوجه الآتي:

تُبلّغ مثل تلك القوانين لمجلس الشيوخ، بعد إقرارها في من مجلس النوّاب، فإذا أراد مجلس الشيوخ النظر فيها، عليه أن يعلم الحكومة برغبته تلك في مهلة ثمانية أيّام. فإذا انقضت هذه المهلة من دون أن يوجّه مجلس الشيوخ طلبًا إلى الحكومة يعبّر فيه عن إرادته وضع القانون قيد البحث، حُسب هذا القانون موافقًا عليه (المادّة 19، فقرة 2). وجرى إصداره.

        إضافة غلى تلك الصلاحيّات، كان يدخل في اختصاص مجلس الشيوخ، الفصل في صحّة نيابة أعضائه، كما كانت الحال ولا تزال بالنسبة إلى مجلس النوّاب (المادة 30).

4 _ أمّا مواعيد اجتماع المجلسين في العقود العاديّة والاستثنائيّة، فكانت واحدة.

        نكتفي بهذا القدر، لأنّ بقيّة الصلاحيّات والإجراءات لا تختلف عمّا هي في مجلس النوّاب وننتقل إلى نهاية تجربة مجلس الشيوخ وأسبابها.

 

إلغاء مجلس الشيوخ:

        لم يعمّر مجلس الشيوخ. ففي شهر أيلول عام 1927، أرسلت الحكومة إلى المجلسين مشروعًا بمرسوم يحمل الرقم 284، طلبت إعادة النظر في الدستور، لجهة إلغاء مجلس الشيوخ وتوحيد الهيئتين اللتين يتألّف منهما البرلمان في هيئة واحدة هي مجلس النوّاب.

        وفي 6 تشرين الأوّل 1927، عقد مجلس الشيوخ جلسة رسميّة تدارس فيها مشروع الحكومة وإتّخذ قرارًا مبدئيًّا بالموافقة عليه، على أن يتمّ تعديل الدستور وفقًا للاصول المحدّدة في المادتين 76 و77 منه، في جلسة مشتركة بين الهيئتين تسمّى "المجمع النيابيّ".

        وفي 17 تشرين الأوّل 1927، أي بعد سنة وخمسة أشهر، أصدر المجلسان في جلسة مشتركة في "مجمع نيابيّ"، قانونًا دستوريًّا قضى بإلغاء مجلس الشيوخ، وتعديل كلّ نصوص الدستور، لكي تتوافق مه هذا الإلغاء، إضافة إلى تعديلات أخرى، لعلّ أهمّها المادّة 58 التي أعطت الحكومة صلاحيّة تنفيذ مشاريع القوانين المعطاة صفو الاستعجال، بعد مرور أربعين يومًا من طرحها على مجلس النوّاب، وحصر البرلمان في هيئة واحدة هي مجلس النوّاب، كما هي الحال حتّى يومنا هذا.

        وكان آنذاك شارل دبّاس رئيسًا للجمهوريّة، وبشارة الخوري رئيسًا للوزراء.

        أمّا كيف نُفّذ الإلغاء، فقد تمّ دمج المجلسين في هيئة واحدة هي مجلس النوّاب كما جاء في المادّة الأخيرة (51) من القانون الدستوريّ الصادر في 17/10/1927: " تدبير مؤقّت، يلتئم مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النوّاب الحاليّون، ليؤلّفوا المجلس النوّاب المنصوص عليه في المادّة الأولى من هذا القانون، حتّى نهاية عهد المجلس النيابيّ الحاليّ، وإذا خلال مقعد أحد أعضاء مجلس الشيوخ الحاليّ، سواء كان بسبب وفاته أو استقالته أو بسبب آخر، فيعّن خلف له بمقتضى الشروط المذكورة في المادة 24".

 

لماذا ألغي مجلس الشيوخ بعد فترة وجيزة من إنشائه:

        يمكن إجمال الأسباب التي أدّت إلى الإلغاء بالآتي:

1 _ الخلاف بين مجلس الشيوخ ومجلس النوّاب.

2 _ انعكاس هذا الخلاف على أعمال السلطة التنفيذيّة وعرقلة أعمالها.

3 _ البطء في سنّ القوانين.

        يبدو أنّه ما ان تألّف المجلسان حتّ دبّت الخلافات بينهما. ويعزو البعض هذا الخلافات غلى أمزجة بعض أعضاء المجلسين ومواقفهم. ولكن، أيًّا كانت الدوافع الشخصيّة، يبقى أنّ تباينات مهمّة برزت، جاء على لسان مؤرّخي تلك الحقبة، كما وردت في محاضر مجلس الشيوخ عند مناقشته مشروع الحكومة بدمج  المجلسين. ونضرب بعض الأمثلة:

  • إتّخذ مجلس الشيوخ قرارًا بعدم التعاون مع كلّ وزارة يزيد عددها على ثلاثة وزراء، في حين أنّ مجلس النوّاب ألحّ على أن يكون العدد سبعة.  مما اضطرّ رئيس الوزراء في حينه، أوغست أديب، إلى الاستقالة. فكلّف بشارة الخوري تشكيل حكومة جديدة، فالّفها من سبعة، على رغم موقف مجلس الشيوخ. وعندما تقدّمت للثقة، نالتها بإجماع النوّاب، ومن دون تحفّظ في حين أنّ الشيوخ منحوها مع الاحتفاظ ببرنامجهم.
  • بعد ذلك، عُرض مشروع الموازنة على المجلسين، فطالت المناقشات حوله، وتأخّرت المصادقة عليها تأخيرًا غير مألوف، وعاشت الدولة على الاعتمادات الإثني عشريّة، ممّا عكّر الجوّ على الحكومة وهدّد بشلّ أعمالها.

ونظرًا إلى كون الدستور لم يكن ليسمح بحلّ مجلس النوّاب، في غير الحالات الحصريّة المنصوص عليها في المادّة 55 منه، والتي لم تلحظ العقبات التي راحت تعترض السلطة التنفيذيّة وتعاون المجلسين، ونظرًا إلى كون الدستور لم يلحظ إطلاقًا أيّ إمكان لحلّ مجلس الشيوخ، فقد أدرك المفوّض السامي من جهة، ورئيس الجمهوريّة، من جهة أخرى، أنّهما لم يعودا حرّين في إدارة دفّة الحكم، كما كانا يتصوّران ويريدان، وراح التفكير في تعديل الدستور وإدغام المجلسين يأخذ طريقه. وهكذا صار في 17 تشرين الأوّل 1927 كما روينا.

(يراجع، كتابات جوزف مغيزل، منشورات جوزف ولور مغيزل ودار النهار للنشر، الجزءالثاني صفحة 73)

 

 

   

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment