التبويبات الأساسية

القديسة تقلا

القديسة تقلا

       وفي تلك الحال خرج القدّيس بولس (وفاة 67) من أنطاكيا إلى مدينة إيقونيا، وبشّر هناك بالإنجيل المقدّس. فاشتهت أن تراه وتسمع تعليمه.فلمّا رآها عرف حالًا أنّ الله اختارها لتقديس اسمه، فعلّمها بتمام الاهتمام زمانًا طويلًا، وآمنت إيمانًا متينًا وارتاحت نفسها إلى البرارة المسيحيّة فنذرت للمسيح بتوليّتها، وشرعت تسلك في طريق أكمل الفضائل الإنجيليّة. ولمــــّا عرفت بسجن الرسول مرشدها باعت حلاها الثمينة لكي تعينه في ضيقه كما روى القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ (وفاة 410) في مقالته الخامسة والعشرين من أعمال الرسل.

       ولمـــّا درت والدة القدّيسة بعزمها في حفظ البتوليّة، خرجت حالًا وأخبرت خطيبها، فأخذ كلاهما مع الأقارب يفرغان كلّ جهد في ان يرجعا القدّيسة عن عزمها في حفظ البتوليّة. ولمـــّا كان يضيّقان عليها خرجت من بيت أمّها لتذهب إلى القدّيس بولس علّه يجعلها في مكان آمن. غير أنّ خطيبها لمـــّا عرف بهربها نقم نقمة شديدة ووشى بها مع أمّها إلى الحاكم طالبين منه أن يلزمها على التزوّج وترك الديانة المسيحيّة. فأمرها هذا بأن تذهب بصحبتهما إلى هيكل الآلهة وتقدّم هناك ذبيحة للأوثان. ولمــّا لم تفعل، شارحة بشجاعة مقرونة بالاحتشام إيمانها بالإله الواحد ربّ الكلّ وحبّها ليسوع حبًّا لا يثنيه عذا أو موت، ورجائها بالنعيم الأبديّ بجوار من تؤمن به وتحبّه، أمر الحاكم فأضرموا أمامها نارًا عظيمة ظنًّا منه أنّ القديسة لدى مشاهدتها النارتعود عن عزمها. أمّا هي فاستغاثت باسم يسوع. ودخلت النار من تلقاء نفسها في وسط اللهيب، ولم تمسّها النار البتّة بل هطل مطر غزير مع أنّ السماء كانت صاحية. ففرّ الناس هاربين ولم تحرق النار شيئًا من ثيابها حتة ولا شعرة واحدة من شعرها الطويل الجميل. فتخلّى عنها خطيبها وتركها الحاكم. فأقامت زمانًا في بيت أحد المسيحيّين تمارس رياضات العبادة شاكرة الله ومستعدّة للاستشهاد.

       وفي غضون ذلك جاء إلى المدينة حاكم جديد موغر الصدر على المسيحيّين. فلمّا وشي إليه بتقلا، أحضرها حالًا. ولمــّا وقفت أمامه سألها: هل أنت مسيحيّة؟ فأجابته بحريّة مقدّسة وأمام أعيان الوثنيّين واليهود: نعم. فأمر الحاكم حينئذ أن تُقَدّم إلى الوحوش الضارية. فاجتمع الشعب على مدارج الميدان ثن انطلقوا الوحوش ودخلت القدّيسة الميدان بشجاعة وسرور. ولمــّا رأت الوحوش آتية نحوها رسمت إشارة الصليب واستعانت أيضًا باسم يسوع، فربضت الوحوش عند قدميها مستأنسة تلحس رجليها وتتملّقها بأذنابها. لكن الحاكم لم يرعوِ عن غيّه بل أمر بأن يعلّقوا تقلا برجليها إلى ذنبي ثورين برّيّين ففعلوا، لكن ّ الثورين لم يتحرّكا مع أن الجند كانوا ينخذونها بمناخذ محميّة. فذهل الحاكم وامام دهش الجماهير استدعاها وسألها بلطف: من أنت أيّتها الفتاة الغريبة؟ فأجابته البتول بوداعة: أنا تقلا أمة يسوع المسيح ابن الله الحيّ. حينئذ طلب لوحًا وكتب عليه: إنّ تقلا التي تلقّب بأمة يسوع الذي يدعى إلهًا هي طليقة حرّة.

       بعد ذلك حاولت البتول عبثًا إقناع ذويها باعتناق الدين المسيحيّ، ثمّ اعتزلت مدّة للصوم والقشّف والصلاة. وبعد زيارة للأرض المقدّسة، استقرّت في مدينة سلوقيا حيث صرفت باقي حياتها بتبشير الإنجيل. ولقد آمن على يدها عدد كثير لا يكاد يحصى حتّى لقّبها أحد الآباء "برسول سلوقيا". وذلك ما أدّى بالأرجح إلى استشهادها. ودفن جثمانها الطاهر بحيطة وإكرام في ضلاحي المدينة المذكورة. وأصبح حالًا قبرها محجّة للنصارى وخاصّة للقدّيسين منهم وآباء الكنيسة وعلمائها.

       وهذه نقلًا عن العلماء البولنديّين بعض الشهادات التاريخيّة: بعد مئتي سنة حجّ ضريحها للتبرّك علّامة البيعة القدّيس غريغوريوس النزينزي (وفاة 390)، وبعده القدّيستان مارونا وكورا الحلبيّتان.

       وفي الجيل الثامن: بحضور المجمع المسكونيّ السابع أعلن أسقف سلوقيا: " إنّني أؤكّد بالروح القدس وامام الله وهذا المجمع أنّه ما من أحد يزور ضريحها ويطلب شفاعتها إلّا ويعود شاكرًا على ما ناله بشفاعتها".

       مدحها في خطبهم على مدى الأجيال القدّيسون: " أمبروسيوس (وفاة 397) وباسيليوس الكبير (وفاة 379) وإيرونيموس (وفاة 420) الذي جعلها الثانية في بيعة الله بعد العذراء مريم. واوسابيوس المؤرّخ الذي كان يدعو كلّ شهيدة بتقلا الجديدة.

       والقدّيس ابيفانيوس ( وفاة 403) يقول: " إنّها مثل إيليا النبيّ ويوحنّا الإنجيليّ بالغيرة على الدين".

       والقدّيس إيزيديروس الدمياطي: من بعد تقلا فاتحة الاستشهاد لا يحقّ لنا أن ننسب الضعف إلى جنس المسيحيّات. والقدّيس قبريانوس (وفاة 258) استغاث بها عند دخوله ميدان الاستشهاد قائلًا: يا ربّ أيّني كما أيّدت أمّتك القدّيسة تقلا!. وهكذا فعل غيرها من الشهداء.

انتصارها التاريخيّ العظيم:     

       لا تزال عظامها سالمة ومحفوظة إلى يومنا. ولقد نقلها الملك بطرس الرابع إلى إسبانيا وبنى لها ضريحًا وكنيسة في الأرغوان.

       ومن هناك وزّعت قسمات منها على ملوك فرنسا وإيطاليا وروما. وأبو المؤمنين هو الذي أنعم بقسم منها على مزارها بجوار رشميّا في لبنان. إنّ لها معابد كثيرة في كلّ هذا البلدان وفي الأرجنتين يحتفل هناك بعيدها احتفالًا حكوميًّا شكرًا على تحرير البلاد بأعجوبة. ولبنان أكثر البلدان في العالم تعبّدًا لها، وقد بلغ عدد معابدها فيه الخمسة والأربعين.

       نفعنا الله بشفاعتها حتّى منتهى الأدهار.

       

(يراجع كتيّب القديسة تقلا أولى الشهيدات، حياتها، القدّاس، والزيّاح والقراءات، الشبانيّة 2001)

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment