التبويبات الأساسية

إنّه لبنان _ مقتطفات من مقال للأستاذ جوزف مغيزل

إنّه لبنان _ مقتطفات من مقال للأستاذ جوزف مغيزل

إنّه لبنان

        يقولون: إنّه لبنان.

        قليلًا وتهدأ النفوس التي أثارتها الانتخابات، نصرًا أو فشلًا، ثمّ يُسدل الستار،

        وننتظر سنوات أربع جديدة، ونعيد الاحتفال بالمراسم نفسها، وهكذا دواليك من دورة إلى دورة.

        ... تداولت الأقلام، قبل الانتخابات وبعدها، مقترحات كثيرة ترمي جميعًا إلى تحسين التشريع الانتخابيّ، وتصحيح عمليّات يوم الاقتراع، بغية تخفيف حدّة العصبيّة الطائفيّة، ومنع الرشوة واستغلال النفوذ.

        ومن تلك المقترحات: تحديد نفقات المرشّح، ومراقبتها، وتأمين نقل الناخبين بغير واسطة المرشّحين، واستعمال البطاقة الانتخابيّة، وتوفير صناديق اقتراع في المدن لناخبي المناطق، والاقتراع الإلزاميّ، وتخفيض سنّ الاقتراع حتّى الثامنة عشرة، وإنشاء نيابة عامّة انتخابيّة، وتمديد المهلة الفاصلة بين إقفال باب الترشّح ويوم الاقتراع، وإلزام المرشّحين بأن يقرنوا ترشيحهم ببرنامج انتخابيّ، من ضمن تكتّل ينتمون إليه ويضمّ عددًا أدنى من المرشّحين، وغير ذلك من المقترحات.

        ... لا شكَّ أنّ تلك الاصلاحات ومثيلاتها، مفيدة لا بلّ ضروريّة، ولا يسعنا سوى تأييدها والمطالبة بإجرائها، إلّا أنّ التساؤل يحوم حول إرادة النوّاب الجدد، أو تكتّلاتهم الحزبيّة وغير الحزبيّة، في تنفيذ تلك الإصلاحات وطاقتهم عليه.

        وسبب التساؤل أنّ العيوب التي نشكو منها، ولا سيّما استغلال الحساسيّات الطائفيّة وإفساد ضمائر المقترعين، ليس لها وجود مستقلّ عن التكوين المجتمعيّ الذي تمارس فيه، لا بل إنّها مظهر من مظاهره المرتبطة به ارتباطًا عضويًّا، ارتباط السبب بالنتيجة.

        فأغلبيّة القوى التي فازت أو فشلت، تعلم أنّ فوزها المحقّق أو المؤمّل، وَقْف على استمرار الوضع الراهن، تستفيد منه وتأخذ منه سطوتها وفلاحها، ومطالبتها بتغييره كمطالبتها بزوالها هي.

        وهكذا يبدو توسّم خوض الكتل النيابيّة الجديدة معركة إصلاح الممارسة الانتخابيّة لبلوغ ممارسة ديمقراطيّة صحيحة، تفاؤلًا مهدّدًا بالفشل.

        فإصلاح قانون الانتخاب، وعمليّات الاقتراع، رهن بإصلاح القوى السياسيّة نفسها، رهن بمجيء قوى جديدة ترى في التغيير والتحسين مصلحة لها وسبيلًا لنجاحها وضمانًا.

        أجل، إنّ المطالبة المثمرة لتحقيق الإصلاح التشريعيّ والمسلكيّ الانتخابيّ، لا بدَّ أن ترتبط بالمطالبة بقيام مدرسة سياسيّة جديدة، جيل سياسيّ جديد، قوى نضاليّة لم تحزم كيانها بالعيوب التي يُطلب القضاء عليها، وليس لها من ماضيها سلاسل تقعدها أو تثقل تحرّكاتها.

        قد يقال إنّ هذا المطلب بعيد التحقيق. قد يكون. وقد يستدعي تحضيرًا طويلًا، ولكنّه أضمن نتيجةً من طلب التبدّل على يد المستفيدين من الوضع الراهن.

        فكم من مشروع قانون انتخابيّ وضعته الأحزاب والقوى السياسيّة، منفردة أو مجتمعة، وهي خارج الحكم أو داخله، لم يتعدّ الإعلان عنه، ثمّ طُويَ في أدراج النسيان والإهمال.

        إنّ حاجة الإصلاح ملحّة، ويبدو أنّه متّفق عليها، إلّا أنّ الوسيلة موضوع خلاف.

        ويقيني أنّ بلوغ الهدف يدفعنا إلى مناشدة الواعين من المواطنين، ولا سيّما أبناء الجيل الطالع، بأن يبادروا إلى التكتّل والعمل المشترك المنظّم، بغية إعطاء الديمقراطيّة التي ارتضيناها قاعدة لحياتنا العامّة، مضمونها الصحيح ووسائل ممارستها السليمة.      

فهل أنّ لبنان يتمخّض اليوم عن مثل تلك القوى.

( مقتطفات من مقال للأستاذ جوزف مغيزل منشور في "الجريدة" بتاريخ 11/4/1968، ويراجع أيضًا كتابات جوزف مغيزل الجزء الأوّل الصفحة 61)       

 

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment